ربما كان من أقسى الضربات التي تعرضت لها ثقافة الشرق هي اندثار معظم الآداب والعلوم والمعارف السورية والرافدية بعد دمار الممالك القديمة واستيلاء الفرس والإغريق على المنطقة لقرون طويلة , مما كفل زوال معظم التراث الأدبي لسكان المنطقة بشقيه الشفهي والمكتوب . ربما حد من قدرة الكتاب على نقل تراثهم للأجيال القادمة طريقة التدوين المعتمدة على الرقم الطينية المنقوشة , وربما دونت الآداب حقا ذات مرة على الجلود والأقمشة وأوراق البردي المستوردة من مصر , لكنها ضاعت بعدها أو أتلفت عمدا مع الزمن . ربما كانت المكتبات الفينيقية والبابلية والآشورية ذات يوم غير مقتصرة على رقم الفخار بل شاملة للمخطوطات والكتب كما نعرفها الآن , لكن حوادث النهب والتدمير والحرق لم تبق من هذه المكتبات إلا على ألواح الطين المحترق .
بكل حال , كانت النتيجة هي ما نراه اليوم من زوال شبه كامل للأدب السوري القديم بالمقارنة مع الآداب المصرية أو الإغريقية أو الرومانية . وإذا كانت الآداب والنصوص الدينية الرسمية السورية التي وصلتنا نادرة وقليلة ومبعثرة , فإن الآدب الشعبية السورية والأساطير الشعبية شبه مفقودة , مع وجود استثناء واحد لذلك هو ما يقدمه لنا الأدب التوراتي من إنارات لبعض جوانب الحكاية الشعبية السورية .
من بين الاستعارات العديدة التي نلحظها بين الديانات السورية القديمة والدين اليهودي نجد قصة خلق الإنسان من طين , جنة عدن , الطوفان , برج بابل , خلق العالم من الشواش الأولي وطبيعة عالم الموتى السفلي حيث لا ثواب ولا عقاب . إلى جانب هذه السمات التي نراها في الدين اليهودي أول نشأته والتي تعود بأصولها إلى الأديان السورية الأقدم , نجد قصصا مروية في التوراة لا أصول لها في الدين الرسمي السوري , مما يفترض أن أصولها تمتد في الحكايات الدينية الشعبية التي تداولها السوريون زمن نشأة اليهودية والتي لم تدون في السجلات الرسمية أو في مكتبات الدولة . من هذه القصص نجد قصة أبناء نوح الثلاثة , سام وحام ويافث .
يصف العهد القديم توزعا عرقيا وقوميا لشعوب العالم القديم , فيجعل الأفارقة من سلالة حام ابن نوح , والأوروبيين وشعوب القوقاز ووسط آسيا من سلالة يافث , أما سلالة سام فيجعل موطنها ومستقرها في أرض الهلال الخصيب . يلاحظ هنا أن الشعوب السامية بالمعنى التوراتي مختلفة عن الشعوب السامية الحالية بالمعنى اللغوي إذ أن التوراة حين تتكلم عن ذرية سام تجعله جدا للعيلاميين ( في جنوب غرب إيران ) والآشوريين والبابليين والليديين ( في الأناضول ) والآراميين والعرب واليهود , هذه الشعوب المذكورة في التوراة كساميين لا ترتبط فيما بينها كما يعرف المختصون في التاريخ الآن بروابط لغوية أو سلالية حقيقية , فهي لغويا تتألف من عدة أسر لغوية مستقلة أو معزولة , وسلاليا نجد أن لكل منها أصلا جغرافيا مختلفا , فالليديون من آسيا الصغرى , والآشوريون من الرافدين والعرب ( حينها ) من شمال الحجاز , فما الذي جعل النص التوراتي يجمعهم جميعا تحت اسم واحد وسلف واحد هو " سام " ؟
هذا النص التوراتي الذي جمع الآشوريين والبابليين والأناضوليين والعيلاميين والعرب واليهود ولد أساسا من رحم التقليد الشفهي السوري الشعبي ليبين لنا واحدا من أقدم الأسماء التي أطلقت على أرض الهلال الخصيب وهو اسم " سام " . فالشعوب السابقة الذكر لا يجمع بينها سوى أنها جميعها عاشت على الأرض السورية , الرابط الوحيد بينها هو الرابط الجغرافي الذي جمعها وضم فيما بينها في الفكر الشعبي ليجعلها كلها من أصل واحد أسطوري مشترك هو الأصل السامي , فظهر الاسم سام حينها كاسم جغرافي قديم لسوريا تم تجسيده فيما بعد في شخصية أسطورية حملت الاسم نفسه , تماما كما جسد اسم بلاد كنعان القديم والذي ذكر مرات عديدة في الوثائق الرسمية المصرية والحثية والآشورية والإغريقية , جسد هذا الاسم في صورة سلف مشترك لكل الكنعانيين , والذين أصبحوا في النص التوراتي كنعانيين لأنهم يعودون بنسبهم إلى الجد كنعان , لا لأنهم يسكنون الأرض كنعان . نجد هذا التحويل لاسم الأرض أو البلد إلى اسم لسلف أسطوري قديم في أشخاص آشور وحثي ومصراييم وصيدون وغيرهم كثير , وهم كما تذكر التوراة أجداد الآشوريين والحثيين والمصريين وأهل صيدون الفينيقيين .
مما سبق , نجد أنه وبدلالة العهد القديم كان لفظ سام مرتبطا بالهلال الخصيب وبسكانه بمعنى جغرافي بحت قبل أن يشخص ويجسد , ربما كان الاسم الحالي شام يعود بأصله إلى ذلك الاسم الأقدم وربما لا , لكن النص التوراتي يوحي بذلك . هل كان النص التوراتي حين أشار إلى حام ( الأفريقي ) ويافث (الأوروبي) وحين ربطهم مع سام السوري من خلال الجد الأكبر نوح يحمل ذكريات عن الهجرات السورية الزاعية التي حصلت إلى جنوب أوروبا وشمال أفريقيا مع مطلع العصر الزراعي ؟ من الصعب الافتراض بأن السوريين كانوا حتى بدء ظهور الدين اليهودي حوالي الألف الأولى قبل الميلاد مايزالون يحملون ذكريات عن تلك الحقبة التي سبقت ذلك التاريخ بسبعة آلاف عام , لكن هذا الفرض يبقى ممكنا بشكل هزيل . ودراسة النص التوراتي أكثر ربما تظهر المزيد من وجوه الأسطورة الشعبية السورية في ذلك الزمن .
بكل حال , كانت النتيجة هي ما نراه اليوم من زوال شبه كامل للأدب السوري القديم بالمقارنة مع الآداب المصرية أو الإغريقية أو الرومانية . وإذا كانت الآداب والنصوص الدينية الرسمية السورية التي وصلتنا نادرة وقليلة ومبعثرة , فإن الآدب الشعبية السورية والأساطير الشعبية شبه مفقودة , مع وجود استثناء واحد لذلك هو ما يقدمه لنا الأدب التوراتي من إنارات لبعض جوانب الحكاية الشعبية السورية .
من بين الاستعارات العديدة التي نلحظها بين الديانات السورية القديمة والدين اليهودي نجد قصة خلق الإنسان من طين , جنة عدن , الطوفان , برج بابل , خلق العالم من الشواش الأولي وطبيعة عالم الموتى السفلي حيث لا ثواب ولا عقاب . إلى جانب هذه السمات التي نراها في الدين اليهودي أول نشأته والتي تعود بأصولها إلى الأديان السورية الأقدم , نجد قصصا مروية في التوراة لا أصول لها في الدين الرسمي السوري , مما يفترض أن أصولها تمتد في الحكايات الدينية الشعبية التي تداولها السوريون زمن نشأة اليهودية والتي لم تدون في السجلات الرسمية أو في مكتبات الدولة . من هذه القصص نجد قصة أبناء نوح الثلاثة , سام وحام ويافث .
يصف العهد القديم توزعا عرقيا وقوميا لشعوب العالم القديم , فيجعل الأفارقة من سلالة حام ابن نوح , والأوروبيين وشعوب القوقاز ووسط آسيا من سلالة يافث , أما سلالة سام فيجعل موطنها ومستقرها في أرض الهلال الخصيب . يلاحظ هنا أن الشعوب السامية بالمعنى التوراتي مختلفة عن الشعوب السامية الحالية بالمعنى اللغوي إذ أن التوراة حين تتكلم عن ذرية سام تجعله جدا للعيلاميين ( في جنوب غرب إيران ) والآشوريين والبابليين والليديين ( في الأناضول ) والآراميين والعرب واليهود , هذه الشعوب المذكورة في التوراة كساميين لا ترتبط فيما بينها كما يعرف المختصون في التاريخ الآن بروابط لغوية أو سلالية حقيقية , فهي لغويا تتألف من عدة أسر لغوية مستقلة أو معزولة , وسلاليا نجد أن لكل منها أصلا جغرافيا مختلفا , فالليديون من آسيا الصغرى , والآشوريون من الرافدين والعرب ( حينها ) من شمال الحجاز , فما الذي جعل النص التوراتي يجمعهم جميعا تحت اسم واحد وسلف واحد هو " سام " ؟
هذا النص التوراتي الذي جمع الآشوريين والبابليين والأناضوليين والعيلاميين والعرب واليهود ولد أساسا من رحم التقليد الشفهي السوري الشعبي ليبين لنا واحدا من أقدم الأسماء التي أطلقت على أرض الهلال الخصيب وهو اسم " سام " . فالشعوب السابقة الذكر لا يجمع بينها سوى أنها جميعها عاشت على الأرض السورية , الرابط الوحيد بينها هو الرابط الجغرافي الذي جمعها وضم فيما بينها في الفكر الشعبي ليجعلها كلها من أصل واحد أسطوري مشترك هو الأصل السامي , فظهر الاسم سام حينها كاسم جغرافي قديم لسوريا تم تجسيده فيما بعد في شخصية أسطورية حملت الاسم نفسه , تماما كما جسد اسم بلاد كنعان القديم والذي ذكر مرات عديدة في الوثائق الرسمية المصرية والحثية والآشورية والإغريقية , جسد هذا الاسم في صورة سلف مشترك لكل الكنعانيين , والذين أصبحوا في النص التوراتي كنعانيين لأنهم يعودون بنسبهم إلى الجد كنعان , لا لأنهم يسكنون الأرض كنعان . نجد هذا التحويل لاسم الأرض أو البلد إلى اسم لسلف أسطوري قديم في أشخاص آشور وحثي ومصراييم وصيدون وغيرهم كثير , وهم كما تذكر التوراة أجداد الآشوريين والحثيين والمصريين وأهل صيدون الفينيقيين .
مما سبق , نجد أنه وبدلالة العهد القديم كان لفظ سام مرتبطا بالهلال الخصيب وبسكانه بمعنى جغرافي بحت قبل أن يشخص ويجسد , ربما كان الاسم الحالي شام يعود بأصله إلى ذلك الاسم الأقدم وربما لا , لكن النص التوراتي يوحي بذلك . هل كان النص التوراتي حين أشار إلى حام ( الأفريقي ) ويافث (الأوروبي) وحين ربطهم مع سام السوري من خلال الجد الأكبر نوح يحمل ذكريات عن الهجرات السورية الزاعية التي حصلت إلى جنوب أوروبا وشمال أفريقيا مع مطلع العصر الزراعي ؟ من الصعب الافتراض بأن السوريين كانوا حتى بدء ظهور الدين اليهودي حوالي الألف الأولى قبل الميلاد مايزالون يحملون ذكريات عن تلك الحقبة التي سبقت ذلك التاريخ بسبعة آلاف عام , لكن هذا الفرض يبقى ممكنا بشكل هزيل . ودراسة النص التوراتي أكثر ربما تظهر المزيد من وجوه الأسطورة الشعبية السورية في ذلك الزمن .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق